بسم الله الرحمن الرحيم
مما لا شك فيه أن(حسن الانتخاب) يعد من أهم مستلزمات الزواج الناجح ولو تحرينا قضية زواج النبي(صلى الله عليه وآله) من خديجة(سلام الله عليها) لوجدنا مبدأ حسن الانتخاب واضحاً.
فلم يتم الزواج بين ليلة وضحاها بل سبقته فترة تمهيدية تعرفت(خديجة) خلالها عن كثب على أخلاق وصفات زوجها المرتقب وذلك عندما أرسلته في تجارتها إلى الشام مع غلام لها يدعى(ميسرة) حيث نجحت هذه الرحلة، ونمت أرباحها أكثر من المتعارف وتملك خديجة (سلام الله عليها) الإعجاب بأمانة وحسن إدارة محمد(صلى الله عليه وآله) لأعمالها.
لكن هذا الإعجاب حل مكانه نوع من الإكبار، عندما حدثها عبدها(ميسرة) بكل ما حدث وما جرى من الغرائب والكرامات التي رآها أثناء سفره بمعية محمد(صلى الله عليه وآله)، وقدم لها عرضاً مفصلاً عن مكارم أخلاقه وبشائر النبوغ والعظمة في شخصيته… (وباتت ليلتها تفكر في أمر هذا الإنسان وترقبت له مستقبلاً حافلاً بالأحداث ستنجلي عنه الأعوام القريبة القادمة، وكانت قد صممت أن تعيش بعيدة عن الرجال ومشاكلهم أيام فتوتها وها هي اليوم أشد تصميماً على ذلك وقد أصبحت على أبواب الأربعين من عمرها، ولكنها عادت تفكر في محمد لا في غيره من الرجال الذين قد خطبوها من قبل طمعاً في مالها وثرائها وودت لو يبادلها هذا التفكير ويتقدم في خطبتها، ولكنه لم يصنع شيئاً من ذلك فأرسلت إليه مع امرأة من المكيات تدعى(نفيسة) ابنة منبه لتسأله عما يمنعه من الزواج وقد تجاوز العشرين من السنين، فأجابها بأن لا شيء يمنعه إلا عدم توفر المال لديه، ولما نقلت إليه رغبة خديجة، رحب بتلك البادرة وعرضها على عمه الكفيل أبي طالب وبقية أعمامه فتلقاها أعمامه بالقبول والترحاب، وكلهم يعرف فضل خديجة وثراءها الواسع وذهب أبو طالب من ساعته معه حمزة بن عبد المطلب إلى عمها عمر بن المطلب إلى عمها عمرو بن أسد، وقيل أنهما ذهبا إلى أبيها خويلد وكان لا يزال حيا... وتم الزواج بينهما).
لقد كان الاختيار موفقاً من الطرفين، فمن جهتها كان رجلاً يختلف عن الذين تقدموا إليها طمعاً في أموالها، وأنه جمع إلى كمالاته النفسية والمعنوية كمال الخلق وجمال التركيب وحسن الهندام.
كل ذلك جعل من محمد الزوج المثالي في نظرها ومن جهته(صلى الله عليه وآله) وجد فيها الزوجة الناضجة التي تتصف بالحكمة والخلق الفاضل وحب الخير والدفاع عن الحق، فكان لطلبها الزواج منه وقعاً طيباً على نفسه. فأصبحت أول امرأة في حياته ولم يتزوج عليها، حتى ماتت قبل هجرته. وقد عاش معها خمسة وعشرين عاماً وكانت أحب النساء إليه، لذلك ظل يلهج بذكراها الطيبة بين نسائه اللاتي تزوجهن من بعد رحيلها(تقول عائشة زوجة النبي: كان رسول الله لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام فأخذتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزاً قد أبدلك الله خيراً منها؟ تقصد بذلك نفسها فغضب النبي ثم قال: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها: (آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء).
فالحب الذي كان من النبي لخديجة لم يكن باعثه الشهوة، ولا الجمال أو الشباب بل كان باعثه: نبلها، وسمو خلقها،ووفاءها، وأسبقيتها للإيمان برسالته