" وقعت فتاة في معصية المحادثة الآثمة مع أجنبي عبر الهاتف، وكادت تسير في دروب الحرام، ثم هداها الله فعدلت عن ذلك الطريق، وهاهي توجه رسالة لوم وتقريع للهاتف الذي يرد عليها برسالة:
الفتاة:
لن أعود لشَرّك
أيها الهاتف:
يا مصيدة الفسَّاق، أَمَا لأسيرك انعتاق؟
صوتك الرنان، من حبائل الشيطان،أفسدت حياتي، وأضعت أوقاتي، وهدمتَ لذاتي، أسمعتني صوت ذلك الشاب فعشت في محنة وعذاب، وأغريتني بمعسول الكلام، فمشيت في درب الحرام.
وكدت بسببك أزلّ، وعن طـريق العفاف أضلّ، يا وسـيلة العبث، ويا بريد الرفث، يا مزعج الوسنان، ومشغل اليقظان.
وما أفسد الأحوال، كهاتف وجوال. وأعظم الشر والبلاء: أنّنا لا نطيق الاستغناء عنك.
يا مسهل الفتنة، ويا عظيم المحنة، أغريت بالخزي الفتيات، وسكبت منهن العبرات، نشرت العيوب، وجلبت الخطوب، وأفرغت الجيوب، يا طريق الإفلاس، ويا عديم الإحساس، تسعى بالنميمة بين النَّاس، كفعل الوسواس الخناس، يا قليل الأدب، ويا سبيل العطب. ليتني لم أتعرف عليك، ولا امتدت يدي إليك، فلم أكن لأعرف الشرَّ لولاك، فقد أسمعتني صوت أفَّاك، عبر تلك الأسلاك، آه ما أقساك، وما أقلَّ حياك! تصرع من غير عراك، فما أكثر قتلاك وأسراك، ولولا أن كفاني الله بلواك، لكنت من ضحاياك.. عاهدت ربِّي ألا أعود لشرِّك، وألا أعبث بزرك، فقد ذقت المرارة من مرك.
وما أنصفك إلا قوم قطعوا حبالك، ولم يرحموا حالك، فاذهب لا أبالك، أراني الله عن قريب زوالك.
الهاتف:
عزيزتي الفتاة:
نفسك أحق بالعتاب
رميتني بكل سباب، ونبزتني بأمج الألقاب، وهجوتني ومثلي لا يعاب، فلست من أغراك بالشرِّ يا كُعاب، بل نفسك أحق بالعتاب، وشدة العقاب، فلولا أنك خضعت بالقول، لما كان لشاب عليك طول، ولما استطاع إليك الوصول، أو أن يصول بعد ذلك ويجول، ولكننا قوم نرمي أخطاءنا على الغير، ولا نصف أنفسنا إلا بكل خير.
وما حيلتي في قوم لا يعرفون إلا السوء، قد سخّروني لكل ما يسوء، وإنما كل امرئ بإثمه يبوء، ربما بصق أحدهم عليَّ، وآخر قبَّل وجنتيَّ، وأحياناً أذوب حياءً مما أسمع، وأتمنى أني لم أُُصنع، ويح رأسي الأقرع، فما لا أطيق قوله أفظع!
وإنَّما يعرف قدري القدماء، الذين عاشوا الفقر والشقاء، وذاقوا لذة الاتصال، بعد أن حسبوه من المحالْ، حتى دعا لمن اخترعني بعض العجائز، ولم يعلمن أنَّ ذلك غير جائز؛ لأنَّه كافر عنيد، مستحق للوعيد، وما ربُّك بظلام للعبيد، وقد جُزي على عمله في الحياة، بأن خلد النَّاس ذكراه.
أمَّا أولاد هذا الزمان، فولدوا مع صوتي الرنان، جعلوني لعبة في الصغر، وتسلية في الكبر، فهان عليهم قدري، ولم يعرفوا دوري، فأبدعوا في الشرِّ والبلاء، وأنا من صنيعهم براء.
لماذا تثورين علي وتتعدين، وإنَّما أنا سلاح ذو حدين، خيري على شري ظاهر، لا يخفى على كل ناظر، أنس الوحدة، وسبيل النجدة، يسرتُ على النَّاس الوصول للعلماء، وسماع صوت البعداء، قضيت الحاجات، وفرَّجت الكربات، أحكي بلا لسان، وأسمع بلا آذان، لكني قد التزمت الأدب، فلا أجيب إلاَّ من طلب.
هلا كان لومك لطبق الشر، وقد فتن الناس في بحر وبر، ولم يبق لهم من الحياء مثاقيل الذر، اقتحم رؤوس الدور، وهتك المستور، فالجيل بالشهوات مسعور.
أم كان لومك لشريط الغناء، وبريد الزنا، ومصدر الخنا، ألم تجدي إلاَّ أنا؟
وأين موقع ذلك الشاب ـ يا عزيزتي ـ من الإعراب؟ أليس أحق مني بالسباب؟ فما هو إلاَّ نموذج لشباب قذر، يصطاد في الماء العكر، لا من العقاب حذر، ولا بكتاب الله منزجر، شباب لا تنهض بهم الأمَّة، ولا تنكشف بهم الغُمَّة، نموذج حقير، معدوم الضمير، لا يخشى يوم السعير.
أمَّا أنت يا فتاة : فالحمد لله الذي هداك، وأخزى من بالمعصية أغراك، وإياك والنكوص إياك.