في السيرة النبوية
كان محمد بن عبدالله بشراً، وكان بشراً رسولا، لكن مع
ذلك فإنه كان أنموذجاً للإنسانية الكاملة في العالم، لذلك استطاع أن يدافع عن
البشرية ويضمن لكل الجنسيات والطوائف حقوقها المادية والمعنوية.
- عن علي بن
أبي طالب رضي الله عنه قال: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤلف أصحابه ولا ينفرهم،
ويكرم كل كريم قوم، ويوليه عليهم، ويعطي لكل جلسائه بنصيبه، لا يحسب جليسه أن أحداً
أكرم عليه منه، من فاوضه صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا
بها، أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أباً وصاروا عنده في
الحق سواء.
- أقول: لذلك فإن أصحابه يفتقدونه إذا غاب عنهم، ولا يشبعون من
رؤيته إذا جلس بينهم، يقول ثوبان رضي الله عنه إنه كان شديد الحب لرسول الله، قليل
الصبر عنه، فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه، يعرف الحزن في وجهه، فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ما غير لونك؟ قال ثوبان: يا رسول الله ما بي مرض ولا وجع غير
أني إذا لم أرك استوحشك وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة، فأخاف ألا أراك لأنك
ترفع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك، وإن لم أدخل
الجنة فلا أراك أبداً، فنزل قوله تعالى “ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم
الله عليهم”. الآية (رواه البغوي في تفسيره).
- أقول: إن هذا التعلق الشديد
بالرسول صلى الله عليه وسلم لا لشيء سوى أنه كان يجلس مع الفقير والخدم والصغير
والضعيف يؤاكلهم ويصاحبهم ويباسطهم، ولم يكن يرى لنفسه فضلاً عليهم، لذلك وصفه الله
بقوله تعالى “وإنك لعلى خلق عظيم”.
- كان عليه الصلاة والسلام يحترم نفسه
فاحترمه الآخرون، ولم ينتقص من شأن أي فرد من أفراد المجتمع حتى الذين كانوا يسيئون
إليه.
- لقد عزم ابن عبدالله بن أبي سلول أكثر من مرة أن يقتل أباه رأس
المنافقين لأنه كان يؤذي الرسول بنفاقه، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسمح له
بذلك ويقول: أتريد أن يقول الناس إن محمداً يقتل أصحابه؟
- وكان يأتيه بعض
عرب قريش ممن استدان منهم الرسول شيئاً من المال، فيطالبونه بحقوقهم ويغلظون عليه
القول، وذات مرة شد أحدهم طرف عمامته حول رقبته حتى كاد أن يخنقه فلم يقل له رسول
الله شيئاً، بل قال: دعوه فإن لصاحب الدين مقالاً.
- ومن ذلك أيضاً أنه كان
في حرب فرأى العدو من المسلمين غرة فجاء رجل حتى قام على رأس رسول الله بالسيف
فقال: من يمنعك مني؟ قال: الله، فسقط السيف من يده، فأخذه المصطفى وقال له: من
يمنعك مني؟ فقال الرجل: كن خير آخذ، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: قل أشهد أن لا
إله إلا الله وأني رسول الله، قال الرجل: لا ولكني لا أقاتلك ولا أكون معك، ولا
أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله فجاء الرجل أصحابه فقال: جئتكم من عند خير
الناس.
- وعندما دخل مكة عام الفتح منتصراً كان بإمكانه أن ينتقم لنفسه
ولأصحابه، وكان قادراً عليهم، ومع ذلك وقف بباب الكعبة وهو يقول: ما تظنون أني فاعل
بكم؟ قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال عليه الصلاة والسلام: أقول كما قال
أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء.
- انظر في هذا الحديث
كيف يربط الناس بعضهم ببعض، مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد
الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
- ثم انظر إلى
هذا الحديث الذي يوصي فيه قواده في الغزوات: “انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة
رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلوا وضموا
غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين”. (رواه أبوداود).
ومن أحاديثه
أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول: فكوا العاني، وأجيبوا الداعي، وأطعموا الجائع،
وعودوا المريض.
- وورد أيضاً أن ثمامة بن أثال وقع أسيراً في أيدي المسلمين
فجاؤوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: احسنوا إساره، وقال: اجمعوا ما عندكم
من طعام فابعثوا به إليه، فكانوا يقدمون إليه لبن لقحة الرسول نفسه غدواً
ورواحاً.
- ومن تكريمه للإنسانية أنه وقف يوماً لجنازة يهودي عندما مرت
أمامه، وعندما قالوا له: إنها جنازة يهودي يا رسول الله، قال: أوليست نفساً خلقها
الله؟
- ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم حائط رجل من الأنصار، فإذا جمل، فلما
رأى النبي حن فذرفت عيناه، فأتاه الرسول فمسح ذفراه فسكن، ثم قال: من رب هذا الجمل؟
قال أحد الأنصار: أنا يا رسول الله، فقال الرسول: ألا تتقي الله في هذه البهيمة؟
إنه شكا إليّ أنك تجيعه وتدئبه”. (رواه البغوي).
- أقول: ولقد كفت خطبته في
عام حجة الوداع دليلاً على أنه رسول الإنسانية إلى العالمين كافة أليس
كذلك؟
د.عارف الشيخ
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]منقول من جريدة
الخليج
الإمارات