أمي هل تسمعين ما يقولون عنك؟!
بأنك قد متّي وواريناك الثرى
ويعجبون أني لا أذكر حزنا وعزاء
وشروق يوم قد غاب عنه الضياء
...
يذكّرونني يوم قالوا: لا تحزن!
ولا تجزع ولا تبكي.
فلا البكاء يجدي أو يفيد
أحقا أنك لا تذكر أم أنك لا تريد؟!
...
أمي .. هل تسمعين ما يقولون!
يريدونني أنساك، وأخفي وجهك عني
وأرفع يديك عن شعري
وأصم أذني عن حكايتك حين أمسي؟!!
...
هم لا يشعرون أن قلبك وكري
ومهربي، ومخبأ حزني الدفين!
ألا يعلمون أن حضنك الدافئ مضجعي
وهمسك الخافي بلسمي
من وحشة الكون المديد.
...
أمي..طفلك الحابي يعثر من جديد
يتهادى بين يديك
يهفو لعينيك
يهوي كلما أراد العود
يخشى أن تتركيه، أن يبقى وحيد!
...
هل ترين طفلك الصغير يذوي؟
يذبل ؟
لا يستفيق ؟
كعود رمته الفلاة في أرض حرب
في مهب الريح..
في وادي سحيق.
...
أماه.. ضميني إليك.رديني عليك
لا تدفعيني عنك..
لا تسلميني لهم..
إنهم يحتالون .. يكذبون .. ويمثّلون.
لا ينتهي زيفهم .
لا تسقط أقنعتهم .
يرقصون على الأشلاء ويشربون الدماء
ويلبسون ثياب الرهبان عند المساء!
...
أمي ..أرجو أن يكون قبرك روضة .
كما هو طيفك الصامت جنّة .
كما هو وجهك الصادق منّه .
لم تغيبي عني حتى لو استغنيتُ يومًا عنك!
ظنًا أن في الدنيا حبيبا إليه المستراح؟!
هيهات؟!
فزمان الغدر قد أثخن في النفس الجراح.
وخالط الباطل بالحق الصراح.
وعرفت أن القوم في ليلٍ لم يناده الصباح..
...
أماه.. تعلمين كم تناجينا سويًا.
وتناغينا في خفايا الأمسيات.
لكني لم أكتب سرّنا
ولم أعلن الخافي أمام الملأ
أتدرين لماذا ؟
أنها غصص العبرات الخانقة
لعبارات البوح الخافية!
...
وها قد كتبت مراغمًا دمعي الهطيل
ومخاصمًا حالي العليل
ومحاكيًا سحبًا في الأفق البعيد!!
بوحًا من كلام
قد نجا من غرق البكاء
وأفلت من سجن الظمأ
وأعلن أن في البُعد الدواء!
وفي سكون الليل ارتواء!
وبين يدي ربي ..
فيوض الدعاء.
مما رآق لي ,,